شهادات خاصّة | داريا وقائمة الألف ضحيّة: المقتلة مستمرّة

أعلن السجل المدني في مدينة داريا عن وصول أسماء حوالي ألف معتقل قضوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري، من أصل أكثر من 3000 معتقل من أبناء المدينة، والتي عانت من حصار عسكري استمر لقرابة أربع سنوات.

شهادات خاصّة | داريا وقائمة الألف ضحيّة: المقتلة مستمرّة

داريا تهتف للحريّة (عدسة شاب ديراني)

أعلن السجّل المدني في مدينة داريا عن وصول أسماء حوالي ألف معتقل قضوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري، من أصل أكثر من ثلاثة آلاف معتقل من أبناء المدينة الواقعة غرب دمشق، والتي عانت من حصار عسكري استمر لقرابة أربع سنوات، انتهى بترحيل سكانها مع مقاتليها نحو الشمال السوري.


تشير المعلومات التي نشرها الأهالي خلال الساعات الماضية، إلى أن تاريخ الوفاة المدوّن في "قيد النفوس" الممنوح لذوي المتوفين، هو الخامس عشر من كانون الثاني/يناير عام 2013، فيما قالت تنسيقية أهالي داريا في الشتات إنها وثّقت أسماء سبعة معتقلين أعدموا في ذات اليوم.

يقول رئيس تحرير صحيفة "عنب بلدي"، جواد شربجي، لـ"عرب 48": "إنّه يبحث عما حدث في يوم الرابع عشر من كانون الثاني/يناير عام 2013، حين فتحت الزنازين في المعتقلات، واقتيد عشرات وربما المئات من المعتقلين نحو الإعدام، هذا السؤال يشغلني كثيرًا".

وتقول شهادات أدلى بها معتقلون سابقون في سجون النظام السوري، إن الضباط والعناصر في القوى الأمنيّة السوريّة يقومون برفع وتيرة التعذيب بحق المعتقلين في الأيام التي تشهد أحداثا سياسية أو عسكرية، وقد يقومون بإعدام بعض المعقلين عشوائيًا، كنوع من رد الفعل غير المبرر.

شربجي، نفسه، أعلن وفاة عددٍ من أفراد عائلته وردت أسماؤهم ضمن قائمة الألف معتقل، منهم: عبد الحكيم شربجي ومازن شربجي ومحمد شربجي.

من هم؟

يتابع شربجي: إنّ جميع المعتقلين الواردة أسماؤهم حتى الآن، هم ممن اعتقلوا عام 2011، أي قبل أن يعلن تشكيل الجيش الحر، وقبل سنوات من ظهور أي تنظيم يصنف على قوائم الإرهاب الدولية، كـ"جبهة النصرة" أو "داعش"، وهم ناشطون مدنيّون، جميعهم اعتقلوا على خلفية مشاركتهم في التظاهرات التي كانت تهتف لدرعا أو حمص في ذلك الوقت من عمر الثورة السورية، لم يعاصروا حتى النشاط المسلح في سورية، ولم يعرفوه، سُجل اعتقالهم الواحد تلو الأخر في عام 2011".

يستذكر شربجي الهتافات التي ردّدها المعتقلون الذين وردت أسماؤهم في القائمة "كانوا يردّدون شعارات مثل ’واحد واحد... الشعب السوري واحد’، وغيرها من الشعارات السلمية التي كانت تردّد في ذلك الوقت".

جرت عمليات الاعتقال بعد المظاهرات مباشرة، أو في عملياتٍ ليليّةٍ شنتها المخابرات السورية على المدينة التي كان يسكنها أكثر من ربع مليون نسمة، حين اعتُقِلَ عددٌ من الناشطين من منازلهم، أو في كمائن محكمة، بحسب ما يقول شربجي.

ليلة الرابع عشر

يذكر شبال إبراهيم، وهو معتقل سابق في سجن صيدنايا، ما سبق ليلة الرابع عشر من كانون الثاني/يناير عام 2013، يقول لــ"عرب 48": "قبل شهر من تلك الليلة، كانت عمليات التعذيب في سجن صيدنايا قد ازدادت بشكل كبير، سحب السجّانون الأغطية التي كانت مصدر الدفء الوحيد في الزنازين، قُتل العشرات بسبب البرد والجوع، كانت الأوامر أنه لا يحق لأي سجين أن يرتدي حتى ثيابه، كنا نتمنى الموت في تلك الأيام".

تباعًا، سمع إبراهيم أصوات الزنازين التي فُتحت فجرًا، خرج من زنزانته كل من وائل عبيد وعبد الحكيم شربجي وخالد السوقي، فيما سمع أصواتا تشير إلى اقتياد عشرات المعتقلين من بقية الزنازين. لاحقًا، وبعد الإفراج عنه، بات إبراهيم يجمع المعلومات عن المعتقلين وأحوالهم، يقول، اليوم، وبعد أن صدرت قوائم عديدة لمعتقلين قضوا تحت التعذيب، إنه تأكد مما حدث في ليلة الخامس عشر من كانون الثاني/يناير.

يقول شبال "معظم قادة الحراك الشعبي السلمي، أعدموا في تلك الليلة، وما نسمعه اليوم وما يعلن، هم ضحايا تلك الليلة والليالي التي قبلها".

اقتيد المعتقلون إلى محكمة الميدان العسكرية، التي يسميها النظام بمحكمة الإرهاب، على دفعات، بدءًا من تاريخ اعتقالهم، منذ مطلع عام 2011، يقول إبراهيم، بناءً على خبرته، معتقلًا وناشطًا، إن قرار الإعدام يأتي من زير الدفاع، وقبله من رأس النظام، بشّار الأسد، لينفد حكم الإعدام بعد شهر أو شهرين من صدور الحكم.

يشير إبراهيم إلى أنه حكم شخصيًا بخمسة عشر عامًا من الأشغال الشاقة، ولم يعرف بهذا الحكم إلا بعد خروجه من المعتقل.

مرض واحد

نادرًا ما تذكر السجلات الرسمية في دوائر النفوس سبب الوفاة، وإن ذكرته فإن الخانة التي تتحدث عن السبب تُملأ بواحد من سببين، إما توقف القلب المفاجئ، أو التهاب الكبد الفيروسي، وبينما تحمل بعض القيود تاريخ الوفاة، كحالة داريا التي حملت تاريخًا واضحًا، تختفي أسباب الوفاة وتاريخها من قيود أخرى.

بالتزامن مع قائمة الألف في داريا، لا تزال السجلات المدنية في مختلف المناطق السورية، تعلن عن وفاة معتقلين في سجون النظام عبر إصدارات قيد النفوس، حيث أعلن في جسر الشغور بريف إدلب (شماليّ البلاد)، ويبرود بريف دمشق، عن قوائم ضمت عشرات الأسماء في ذات اليوم.

الأرقام المعلن عنها في الأيام الأخيرة فقط تشير إلى توثيق 735 شهيدًا من غوريران – الحسكة، و480 شهيدًا من تلكلخ في حمص، و24 من خان شيخون بريف إدلب، و300 من المعضمية بريف دمشق، و50 اسما في قوائم اللاجئين الفلسطينيين في سورية.

وتخشى العائلات التي لا تزال تعيش في مناطق تحت سيطرة النظام، من الإفصاح عن وفاة أبنائها تحت التعذيب أو في المعتقلات، وتكتفي بالصمت التام، فيما تعلن عائلات أخرى عن الوفاة ولا تستخدم لفظ "الشهادة"، فيما تختار عائلات أخرى الإفصاح عن كامل المعلومات المتعلقة بأبنائها على مواقع التواصل الاجتماعي، على الأقلّ.

لماذا الآن؟

انشغل صحافيّون وقانونيون سوريون، بتحليل السبب الذي دعا النظام للكشف عن مصير الآلاف من المعتقلين المدنيين، الآن، بعد سنوات من اختفائهم، ومحاولات لم تتوقف من ذويهم لمعرفة أي معلومة عنهم، التحليلات ازدادت تعقيدًا، مع مجزرة السويداء التي ذهب ضحيتها أكثر من 200 مدني نتيجة تفجيرات ضربت المدينة في ذات يوم إعلان قوائم درايا وغيرها من المدن السورية.

النظرية الأولى التي يتم تداولها اليوم، تقول إن من يقف خلف تفجيرات السويداء هو النظام نفسه الذي أراد مادّةً تغطّي جريمة الحرب الخاصة بالمعتقلين على الأقل في الإعلام الدولي، عبر السماح لتنظيم الدولة الإسلاميّة - "داعش" بمهاجمة سبع قرى في ريف السويداء، فضلًا عن المدينة.

النظرية الثانية تقول إن النظام، وتحتَ ضغطٍ روسي، يريد إنهاء أكثر الملفات تعقيدًا، والتي سبق أن تم تأجيلها في الجولة الأخيرة من مؤتمر أستانة. وهو، ومن خلفه موسكو، يستعدّان للذهاب لمفاوضات مع الدول الضامنة يكون فيها الملف أقل ثقلًا مما مضى.

النظرية الثالثة تقول إن النظام، يستغل لحظة دولية غير مبالية بالوضع الإنساني في سورية، وهو اليوم واثق من أن أي أرقام قد يعلنها لن تحرك ساكنًا في عالم بات حتى استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا، لا يعنيه ولا يحرك فيه حتى دعوة للمحاسبة.

التعليقات